في تصريح لافت أثار الكثير من الجدل، أكد وزير التعليم محمد برادة أن إصلاح التعليم في المغرب “دخل أخيرًا إلى الأقسام الدراسية”. هذا التصريح، الذي جاء في سياق حديثه عن الإصلاحات الجارية، يفتح المجال لمناقشة عميقة حول مدى جدوى الإصلاحات السابقة، والتي بدت في نظر البعض كأنها لم تصل إلى القاعات الدراسية كما ينبغي.
الإصلاحات السابقة: محاولات دون نتائج ملموسة؟
منذ عقود، شهد قطاع التعليم في المغرب العديد من محاولات الإصلاح التي ظلت تتراوح بين التشخيص النظري والتخطيط الطموح. بدءًا من “الميثاق الوطني للتربية والتكوين” في التسعينات، مرورًا بالمخطط الاستعجالي 2009، وصولًا إلى “الرؤية الاستراتيجية 2030″ و”القانون الإطار” 51.17، كانت جميع هذه الخطط تحمل وعودًا بتحسين المنظومة التربوية. لكن، على الرغم من الميزانيات المخصصة، بقيت المخرجات بعيدة عن التوقعات، مما جعل العديد من المراقبين يتساءلون: ماذا كان يحدث داخل الأقسام الدراسية؟
تُشير بعض التقارير إلى أن هذه الإصلاحات، رغم ما حملته من نوايا حسنة، لم تتمكن من الدخول الفعلي إلى الأقسام الدراسية. فمثلاً، لم تكن هناك تغييرات جذرية في المناهج، ولم يطرأ تحسن ملموس على مستوى التأهيل المستمر للمعلمين أو البيئة التربوية داخل المدارس. عوضًا عن ذلك، ظلت التحديات الكبرى مثل الاكتظاظ، نقص التجهيزات، وضعف التكوين المستمر للأساتذة، تعرقل أي محاولات لتحسين الأداء.
الإصلاحات الحالية: بداية جديدة أم مجرد استكمال للمسيرة؟
اليوم، وفي ضوء تصريح الوزير برادة، نجد أنفسنا أمام مرحلة جديدة في مسار إصلاح التعليم. “إصلاح التعليم دخل القسم أخيرًا”، هذه العبارة تعكس الإرادة السياسية الجديدة في تحويل الإصلاحات إلى واقع ملموس داخل الفصول الدراسية. الإصلاحات الحالية، مثل برنامج “مؤسسات الريادة” وتعزيز التعليم الأولي، تستهدف تطبيق النموذج التربوي بشكل أكثر تطبيقي داخل الأقسام، وتحقيق نتائج ملموسة على المدى القصير.
لكن، رغم التفاؤل الذي يرافق هذه المبادرات، يبقى السؤال: هل ستكون هذه الإصلاحات قادرة على تحقيق النتائج المرجوة؟ وهل ستنجح في التغلب على المشكلات الهيكلية التي عجزت الإصلاحات السابقة عن معالجتها؟ الإجابة على هذه الأسئلة تتطلب تقييمًا ميدانيًا دقيقًا للنتائج الفعلية، خاصة في ظل تحديات كبيرة مثل التفاوت الكبير في مستوى التعليم بين المدن والمناطق النائية، والضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تؤثر على القطاع.
السؤال الأبرز: أين تكمن الفجوة الحقيقية؟
إصلاح التعليم ليس مجرد نقل خطط إلى أرض الواقع، بل هو عملية معقدة تتطلب تضافر جهود متعددة: من تحديث المناهج، وتطوير المهارات المهنية للمعلمين، إلى تحسين بيئة التعلم بما يتماشى مع احتياجات القرن الواحد والعشرين. إذا كان الإصلاح الحالي يشير إلى تحول في استراتيجية التنفيذ، فإن السؤال الأبرز يبقى: هل سيتحقق التغيير الجذري داخل الأقسام الدراسية؟
في الختام، قد تكون الفترة المقبلة حاسمة في تحديد مدى قدرة الإصلاحات الحالية على تجاوز عثرات الماضي. فبين التفاؤل الحذر والشكوك المستمرة، يبقى على جميع الأطراف المعنية متابعة عن كثب النتائج والتقييمات الميدانية لتحديد ما إذا كان إصلاح التعليم قد دخل حقيقًا إلى الأقسام، أم أنه سيظل حبيس الخطط والوعود.